دولياتمقالات

“من زعيم ميليشيا إلى رئيس جمهورية: أحمد الشرع ينصّب نفسه سلطاناً على أنقاض سوريا”

في مشهد سريالي لا ينقصه سوى موسيقى درامية ورجلٌ يلوّح بسيف فوق جبلٍ من الأنقاض، خرج أحمد الشرع، المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني، ليعلن نفسه رئيسًا لسوريا، بعد أن قررت الفصائل المسلحة—التي بالكاد تتفق على نوع الشاي في اجتماعاتها—أن البلاد تحتاج إلى قائد “جديد”. الجديد هنا ليس في شخصيته، بل في لقبه الرسمي فقط، إذ إنه انتقل من زعيم هيئة تحرير الشام إلى “رئيس الجمهورية”، وكأن سوريا صارت كرسياً شاغراً ينتظر من يجلس عليه أولاً.

إعلان من طرف واحد (كالعادة)

تمامًا كما يحدث في انتخابات الأنظمة الشمولية، لم يكن هناك أي استفتاء شعبي أو تصويت برلماني—بالطبع، لأن البرلمان نفسه حُلّ في غضون دقائق—بل كانت جلسة “موسعة” للفصائل المسلحة كافية لتنصيب السيد الشرع رئيسًا. من حضر؟ قادة الميليشيات، بعض أمراء الحرب، ومجموعة من الملثمين الذين “باركوا” الخطوة. أما الشعب السوري، فهو مشغول بلملمة ما تبقى من حياته بعد سنوات من الحرب والدمار.

قرارات رئاسية: الخطوة القادمة… تغيير اسم سوريا؟

بعد أن استوى على العرش، لم يتأخر الشرع في إصدار قراراته الأولى:

• حلّ البرلمان: لأنه “غير ضروري”، فمن يحتاج إلى مؤسسة تشريعية عندما يمكن اتخاذ كل القرارات بين قادة الفصائل في جلسة شاي؟

• إلغاء دستور 2012: والبدء بكتابة “دستور جديد”، على الأرجح مستوحى من كتيّبات “الإدارة الجهادية” التي كانت تُوزع في الأيام الخوالي.

• حلّ حزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية: خطوة قد تكون إيجابية، لكنها تأتي من شخص قضى حياته في بيئة لا تؤمن بأي تعددية سياسية.

• إعادة هيكلة الجيش السوري: أي، بعبارة أخرى، تحويله إلى مزيج جديد من الجماعات المسلحة تحت راية موحدة، وكأن التجربة الليبية لم تعلّم أحداً شيئًا.

 نشر أنصار تنظيم داعش صورة قديمة إلى حد ما تظهر وجه أمير النصرة أبو محمد الجولاني

“الخلافة الرئاسية” بنكهة العصر الحديث

إن تنصيب الشرع بهذه الطريقة يعيد للأذهان مشاهد العصور الوسطى، عندما كان أي قائد عسكري يسيطر على مدينة يعلن نفسه ملكًا عليها. إلا أن الفارق هذه المرة أن الشرع لم يحتج إلى جيش ضخم ولا حتى إلى حملات إعلامية مكثفة؛ اكتفى فقط بأن تجتمع جماعته وبعض الفصائل الأخرى ليعلنوا “موافقتهم”، وكأن سوريا تحولت إلى نادٍ مغلق يتنافس فيه الجميع على لقب “الرئيس الشرعي”.

أما المجتمع الدولي، فيبدو أنه يقف في الزاوية يراقب هذا المشهد الغريب دون أي تعبير واضح، وكأنه يشاهد مباراة شطرنج حيث كل طرف ينتظر الآخر ليقوم بحركة متهورة أولًا.

نهاية مفتوحة لمسلسل لا ينتهي

منذ سقوط النظام السوري، لم تتوقف حلقات هذا المسلسل العبثي: الفصائل المسلحة، الصراعات الداخلية، الولاءات المتغيرة، والتدخلات الخارجية. والآن، مع إعلان “الرئيس الشرع”، يبدو أننا أمام حلقة جديدة قد تحمل معها مفاجآت أكثر غرابة.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيهنّئ أحد القادة الإقليميين السيد الشرع على منصبه الجديد؟ أم أن العالم سينتظر حتى يأتي “الرئيس التالي” في قائمة المتنافسين على حكم بلدٍ لم يبقَ فيه الكثير للحكم أصلًا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
Scan the code
مرحباً..
كيف يمكنني مساعدتك