
بقلم: رئيس التحرير الأستاذ حسين حرقوص .
يبدو أن إسرائيل حسمت قرارها: لا انسحاب من لبنان، بل تعزيز للوجود العسكري إلى أجل غير مسمّى، وسط غطاء أميركي وصمت دولي لافت. فبعد أن كان مقرراً انسحابها يوم الثلاثاء المقبل، بدأت إسرائيل بتشييد بنية عسكرية متكاملة داخل الأراضي اللبنانية، تشمل مراكز قيادة، غرف عمليات، وتحصينات إسمنتية، ما يرسّخ واقعاً جديداً أقرب إلى احتلال عسكري دائم، لا مجرد انتشار مؤقت.
من الانسحاب إلى الاحتلال.. إسرائيل تفرض واقعاً جديداً
وفقًا للتقارير العبرية، فإن الجيش الإسرائيلي:
• أقام خمسة مواقع عسكرية جديدة داخل الأراضي اللبنانية
• تمركز بمئات الجنود داخل هذه المواقع بشكلٍ دائم
• أنشأ مراكز محصّنة بالقرب من مواقع اليونيفيل في مركبا – حولا
• حصل على موافقة أميركية للبقاء في الجنوب لفترة طويلة
هذه الخطوات لا تعكس مجرد تمديدٍ لوجودٍ عسكريٍ عابر، بل هي محاولة لتكريس احتلالٍ إسرائيلي جديد، تمامًا كما فعلت إسرائيل في الجنوب بين 1982 و2000، حين أنشأت ما سُمّي بـ”الشريط الأمني”.
حزب الله: بين الاستنزاف والقدرة على الردّ
التساؤلات حول موقف حزب الله تتزايد، خصوصًا بعد شهور من حرب الاستنزاف التي خاضها ضد الجيش الإسرائيلي. فقد تعرّض الحزب لضربات كبيرة خلال المواجهة، حيث تكبّد خسائر في العتاد والبنية البشرية و العسكرية نتيجة الهجمات الإسرائيلية المكثفة، وهو ما يضعه أمام معادلة حساسة:
• هل يمتلك الحزب القدرة على التصعيد، رغم الاستنزاف الذي تعرّض له؟
• هل يقبل بترسيخ احتلال جديد دون ردّ؟
معلومات وتقارير أ أشارت إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة استهدفت مخازن أسلحة، مراكز قيادة، وشبكات اتصال تابعة للحزب، مما تسبب في تراجع قدرة الحزب على تنفيذ عمليات واسعة النطاق دون تكبد خسائر إضافية.
لكن رغم ذلك، يؤكد محللون عسكريون أن حزب الله لا يستطيع التراجع أمام معادلة جديدة تفرضها إسرائيل، لأن ذلك سيضرب شرعيته كمقاومة، وبالتالي فإن الردّ قد يكون مسألة وقت، ولكن بتكتيك مختلف عن المواجهة المباشرة.
ظهور مقاومة شعبية موازية
في تطوّر لافت، تداولت جهات إعلامية خبر مفاده أنها اجتمعت عدة أحزاب قومية وعربية في لبنان لبحث تشكيل مقاومة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعيدًا عن حزب الله، ما يعكس شعورًا متزايدًا بأن الصراع مع الاحتلال لم يعد حكرًا على طرف واحد. هذه الأحزاب قررت من نفسها التحرك لمواجهة الوجود الإسرائيلي، في خطوة تذكّر بتجربة المقاومة اللبنانية خلال الثمانينات، حين كانت قوى وطنية متعددة تخوض المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
هذا التحرّك يضع إسرائيل أمام تحدٍّ جديد، إذ أن انتشار مجموعات مقاومة غير مرتبطة بحزب الله سيجعل المواجهة أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للضبط، وهو سيناريو قد يُسرّع بتطور الأحداث نحو تصعيد أكبر.
هل لبنان الرسمي قادر على المواجهة؟
رغم رفض الدولة اللبنانية العلني لأي تمديد للوجود الإسرائيلي، إلا أن الموقف الرسمي لا يزال عاجزًا عن اتخاذ خطوات فعلية لوقف الاحتلال. فالجيش اللبناني، رغم جهوده، غير قادر على مواجهة عسكرية مفتوحة، فيما تفتقر السلطة السياسية إلى أدوات الضغط الدولية القادرة على فرض الانسحاب الإسرائيلي.
المعلومات تشير إلى أن مسؤولين لبنانيين حاولوا استيضاح الموقف الأميركي بشأن الدعم لإسرائيل في تمديد وجودها العسكري داخل الأراضي اللبنانية، لكن الردّ كان غامضًا، ما يعكس تواطؤًا ضمنيًا أو على الأقل عدم اهتمام واشنطن بفرض انسحاب فوري.
نحو مواجهة مفتوحة أم احتلال مقنع؟
ما يجري اليوم في الجنوب اللبناني ليس مجرد خرق للقرار 1701، بل هو محاولة إسرائيلية لفرض أمر واقع جديد. وبقدر ما تراهن تل أبيب على اختبار صبر لبنان ، فإن التجربة التاريخية تؤكد أن أي احتلال طويل الأمد في لبنان لن يمرّ دون مواجهة.
إسرائيل قد تكون قررت البقاء، لكن السؤال الحقيقي هو: هل تستطيع تحمّل كلفة ذلك؟
الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان لبنان متّجهاً نحو معركة جديدة، أم أن إسرائيل ستحاول تكريس احتلالها بأساليب أخرى.
المعادلة اليوم أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. فإذا قرر حزب الله الردّ عبر عمليات استنزاف محدودة، فإن إسرائيل قد تجد نفسها مضطرة إلى تصعيد أوسع، وهو ما يفتح الباب أمام حرب شاملة. لكن إذا اختار الحزب التريث والتكيف مع معادلة الاحتلال مؤقتًا، فإن ذلك قد يؤدي إلى نشوء مقاومة جديدة أكثر لامركزية، تعمل بتكتيكات مختلفة، مما يعيد سيناريو ما قبل عام 2000، حين كانت العمليات المقاومة تستنزف الاحتلال الإسرائيلي حتى اضطر للانسحاب الكامل.
