
الدكتور حرقوص: الحزب العربي الاشتراكي مشروع نضالي مستقل .. نقف إلى جانب فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ونرى في قيادته فرصة فعلية لترسيخ مفهوم الدولة المدنية ..
رغم مرور أكثر من 18 عامًا على تأسيسه، لا يزال الحزب العربي الاشتراكي اللبناني يعمل بصمت بعيدًا عن الأضواء الإعلامية المعتادة، معتمدًا في انتشاره على الجهد الذاتي والكادر التنظيمي الموزّع في مختلف المناطق اللبنانية. وفي ظل غياب التمويل والدعم السياسي، استطاع هذا الحزب أن يثبت وجوده كتيار قومي اشتراكي مستقل، يحمل رؤية فكرية راسخة تستند إلى تراث الحركة القومية بقيادة أكرم الحوراني، ويواكب في الوقت نفسه تعقيدات المشهدين اللبناني والعربي.
في هذا السياق، التقت مجلة “أضواء اليقظة العربية” الأمين العام للحزب، الدكتور علي حرقوص، في المقر الرئيسي للحزب في منطقة الغبيري – بيروت، وكان هذا الحوار حول انطلاقة الحزب، حضوره، مواقفه، ورؤيته لمستقبل لبنان وسوريا والمنطقة .
الزميل علي سرور مراسل المجلة في العاصمة اللبنانية بيروت
بداية، دكتور علي، نشكركم على استضافتنا في مقر الحزب الرئيسي، ونقدّر تخصيصكم هذا الوقت لمجلّة “أضواء اليقظة العربية”. لا شك أن الحزب العربي الاشتراكي اللبناني يسير بهدوء منذ سنوات، بعيدًا عن الأضواء، ولكن بثبات واضح على الأرض للحقيقة.

دعنا نبدأ من هنا: بعد 18 عامًا على تأسيس الحزب، ما الذي تحقق؟ وما الذي لا يزال يشكّل تحديًا أمامكم؟
ج: أشكركم على اهتمامكم. فعلاً، مرّ 18 عامًا منذ تأسيس الحزب في 1 تشرين الثاني 2005، ورغم غيابنا شبه الكامل عن الإعلام، إلا أن حضورنا في الشارع اللبناني قائم، من خلال الفروع والمكاتب في معظم المناطق. التحدي الأساسي الذي واجهناه كان ولا يزال غياب التمويل . نحن نرفض أي دعم مشروط أو تمويل سياسي، وهذا القرار كان أخلاقيًا قبل أن يكون تنظيميًا. ولهذا السبب، لم نكن ضمن الحملات الإعلامية أو التغطيات الواسعة، لكن بالمقابل حافظنا على استقلاليتنا ونقائنا الفكري
س: إلى أي مدى استطاع الحزب الانتشار في المناطق اللبنانية؟
ج: رغم الإمكانات المحدودة، استطعنا أن نؤسس فروعًا فعّالة في بيروت، الجنوب، البقاع، الشمال، وجبل لبنان. لدينا هيئات تنظيمية متعددة،. ما حققناه ليس بالأموال، بل بالجهد والتنظيم والإيمان بالفكرة القومية الاجتماعية.
س: ما هي الخلفية الفكرية والسياسية للحزب؟
ج: نحن أعدنا إحياء اسم الحزب العربي الاشتراكي هذا الاسم التاريخي على الساحة اللبنانية، بدعم من مجموعة واسعة من المثقفين والناشطين القوميين والاجتماعيين ٬هذا الحزب الذي أسسه المفكر القومي أكرم الحوراني في سوريا عام 1950، والذي لعب دورًا محوريًا في تكوين الفكر القومي العربي الحديث. لاحقاً، تم دمج ذلك الحزب مع “حزب البعث العربي”، ليصبح “حزب البعث العربي الاشتراكي”. أما نحن، فقد أعدنا إحياء الاسم في لبنان بشكل مستقل تنظيميًا وفكريًا، وبما يتلاءم مع خصوصية الواقع اللبناني والعربي ونتبنى فكرة وشعار “أمة واحدة، نهضة مستمرة”، ليس كشعار نظري، بل كمشروع تحرّكي حيّ يعكس تطلعاتنا في بناء مجتمع عربي حديث، قائم على الوحدة الفكرية والاقتصادية والنهضة الشعبية المنتجة. نحن نؤمن أن النهوض لا يتم بشعارات جوفاء، بل عبر مراكمة الوعي، وتكريس ثقافة المواطنة، وتثبيت مفاهيم العدالة والكرامة في كل بيت، ونرفض التبعية بكل أشكالها، ونسعى لبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم التنوع اللبناني ضمن الانتماء العربي الجامع .
س: ما طبيعة العلاقة التي كانت تربطكم بسوريا؟
ج: في عام 2007،نشأت علاقة تنسيقية ذات طابع قومي وفكري بين الحزب العربي الاشتراكي اللبناني وحركة الاشتراكيين العرب في سوريا بقيادة الأمين العام الراحل أحمد الأحمد، وذلك ضمن إطار تعزيز الروابط القومية، وتبادل الخبرات التنظيمية، وتكريس وحدة المفاهيم الفكرية. وقد تم توصيف العلاقة على أنها تكاملية في المصطلحات والمنطلقات، لا تندمج تنظيميًا، بل تتفاعل استنادًا إلى التاريخ المشترك والرؤية القومية الموحدة.
إلا أن هذه العلاقة تغيّرت لاحقًا بعد وفاة أحمد الأحمد في 25 آب/أغسطس، وما تبعها من خلافات داخلية ضمن حركة الاشتراكيين العرب في دمشق، ترافقت مع خروج الحركة من الجبهة الوطنية التقدمية، مما أضعف استقرارها الداخلي.
بناء على ذلك، عقدنا اجتماعًا موسع مع المكتب السياسي للحزب في لبنان، وأصدرنا بيانًا أعلنا فيه أن الحزب العربي الاشتراكي اللبناني ينأى بنفسه عن تلك الخلافات الداخلية، ويؤكد استقلاليته الكاملة عن أي تنظيم خارجي، وأن الحزب يعمل ضمن القانون اللبناني، ويمثّل كيانًا سياسيًا قوميًّا لبنانيًّا مستقلًا.
بعد الحديث عن مسيرة الحزب وفكره، لا بد من الانتقال إلى الواقع اللبناني الراهن، في ظل ما يشهده البلد من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متفاقمة.
س: ما هو موقف الحزب من الوضع السياسي والأمني في هذه المرحلة الحساسة في لبنان اليوم ؟
ج: نحن في الحزب العربي الاشتراكي اللبناني نؤمن بأن الاستقرار السياسي هو حجر الأساس لأي نهوض وطني. ومن هذا المنطلق، نحن نقف إلى جانب فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ونرى في قيادته فرصة فعلية لترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وتعزيز ثقة الناس بالمؤسسات.

ونحن نطالب المجتمع الدولي بممارسة ضغط فعلي على إسرائيل، ليس فقط للالتزام بالقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701، بل أيضًا لوقف الخروقات اليومية التي تطال السيادة اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا، والانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، بما فيها النقاط الخمس الحدودية، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
كما نؤكد على أهمية دعم وتسليح الجيش اللبناني، وتعزيز قدراته الدفاعية، ليكون قادرًا على حماية الحدود، وصون السيادة الوطنية، ومواجهة أي تهديد خارجي.
س: وماذا عن التطورات في سوريا بعد سقوط النظام، وما هو موقفكم منها؟
ج: نحن في الحزب عبّرنا عن موقفنا بشكل واضح: إن الحزب، بصفته جزءًا لا يتجزأ من النسيج السياسي اللبناني، يرى أن استقرار لبنان مرتبط باستقرار سوريا، وأن أي فوضى في سوريا تنعكس سلبًا على لبنان. لذلك، نأمل أن تنعم سوريا بالأمن والاستقرار، وأن تحقق تطلعات شعبها في التقدم والازدهار.
لكن للأسف العالم اليوم يرى المجازر التي تُرتكب يوميًا، خصوصًا في الساحل السوري دون حسيب ولا رقيب ونحن كنا ومازلنا ضد أي شكل من أشكال الإرهاب والتطرف أو المشاريع التي تمزّق الوطن السوري .
س: كيف تنظرون إلى العلاقة اللبنانية–السورية في ظل هذه التغيرات؟
ج: العلاقات التاريخية والأخوية بين الشعبين اللبناني والسوري تبقى في صميم الوجدان القومي، وتشكل ركيزة أساسية لأي استقرار مشترك. نحن في الحزب نؤمن بأن وحدة الشعوب هي الأساس، وندعو إلى تضامن عربي حقيقي يُعلي صوت الإنسان العربي، ويواجه التحديات المشتركة من موقع السيادة والكرامة. كما نشدد على أهمية الحوار والتكامل بين مكونات المجتمعين اللبناني والسوري، بما يخدم المصالح الشعبية ويعزز أواصر الأخوة والانتماء ، نحن في الحزب نؤمن بأن ما يهمّ هو الشعب السوري فقط. لا يعنينا من تولى الحكم أو من يعتلي المنصات ما يعنينا هو أن يعيش الشعب السوري بكرامة، وأن تُصان حقوقه، وتُحمى هويته ووحدته. موقفنا ثابت: لا نراهن على أشخاص، بل على وعي الشعوب، وقدرتها على تقرير مصيرها بنفسها، بعيدًا عن الإملاءات والتدخلات الخارجية ، نحن كنّا ومازلنا نتمنى دائمًا السلام لسوريا، ونؤمن أن الحل يجب أن يكون سياسيًا ووطنيًا جامعًا.
س: إلى هنا نصل إلى ختام هذا اللقاء. هل تودّ أن تضيف شيئًا في نهاية هذه المقابلة؟
ج: نعم، فقط أود أن أقول إننا في الحزب العربي الاشتراكي اللبناني باقون على ثوابتنا، لا نناور ولا نبدّل في المبادئ. خيارنا هو الالتزام بالقضية القومية، بالناس، وببناء دولة العدالة والفكر. أشكركم على هذه المساحة.
شكراً جزيلاً دكتور علي، على تخصيصكم هذا الوقت للمقابلة، وعلى ما قدمتموه من مواقف وآراء تعبّر عن رؤية حزبكم للواقع اللبناني والعربي.
إلى هنا نصل إلى ختام هذا اللقاء، الذي نضعه في إطار التنوير الإعلامي وفتح المساحة أمام مختلف التيارات لعرض مواقفها، على أن نتابع لاحقاً لقاءات أخرى تعكس تنوع المشهد السياسي والفكري في لبنان والمنطقة.
ملاحظة ختامية :
جميع المواقف والآراء الواردة في هذه المقابلة تعبّر عن وجهة نظر الدكتور علي حرقوص الشخصية، ولا تعكس بالضرورة رأي المجلة أو الفريق المحاور.