مقالات

لبنان بين خيارين حاسمين : حصر السلاح أو مواجهة الحرب الشاملة… هل حان وقت القرار؟

بقلم الصحفي حسين حرقوص

يشهد لبنان اليوم مرحلة دقيقة تتقاطع فيها التحذيرات الدولية، والتحديات الاقتصادية، والانقسامات الداخلية حول ملف من أعقد الملفات في تاريخه الحديث: ملف سلاح “حزب الله” والفصائل المسلحة داخل المخيمات الفلسطينية. ففي ظل حديث متزايد عن خطر تصعيد عسكري إسرائيلي محتمل، تبرز مجددًا التساؤلات الجوهرية حول موقع هذا السلاح من الأمن الوطني، والسيادة، والاستقرار العام.

التحذير الدولي: “لا ترف في الوقت”

معلومات أمنية وإعلامية تفيد بأن المجتمع الدولي يضغط باتجاه حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ويشدد على أن إعادة الإعمار والدعم المالي لن يمرا دون خطوات واضحة على هذا الصعيد. وتقول مصادر دبلوماسية إن إسرائيل تدرس احتمال إعادة تنفيذ ضربات جوية وعمليات عسكرية واسعة على لبنان، إذا لم يتم التوصل إلى صيغة نهائية لحصر السلاح، سواء سلاح حزب الله أو السلاح المنتشر في المخيمات الفلسطينية.

وجهتا نظر داخلية: بين الرادع والخطر

في الداخل اللبناني، لا يزال الموقف من سلاح “حزب الله” منقسمًا بوضوح:

  • فئة واسعة من اللبنانيين تعتبر أن هذا السلاح، إلى جانب الجيش اللبناني، يشكل “توازن ردع” في مواجهة إسرائيل، خصوصًا في ظل التفاوت الكبير في القدرات العسكرية بين الجيشين. هؤلاء يرون في معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” عنصر حماية استراتيجية، ساهم في منع إسرائيل من دخول لبنان ، وأبقى العدو في حالة حساب دائم لأي مغامرة جنوبية.
  • في المقابل، يرى آخرون أن تجربة السنوات الأخيرة، خصوصًا ما بعد الحرب الأخيرة في 2024 والذي مازالت شبه مستمرة الى يومنا هذا ، أثبتت أن السلاح لن يحمي لبنان ولم يعد يشكل ضمانة، بل تحوّل إلى عبء ثقيل على كاهل لبنان. ويعتبرون أن سلاح الحزب بات يشكّل ذريعة دائمة لإسرائيل لتوجيه ضربات للبنى التحتية اللبنانية، كما يعقّد علاقات لبنان العربية والدولية، ويقوّض قدرة الدولة على فرض سيادتها الكاملة.

سلاح المخيمات: عقدة أمنية قديمة

عاد ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات إلى الواجهة بعد تورط عناصر من حركة “حماس” في إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل خلال مارس 2025، ما دفع السلطات اللبنانية إلى فتح تحقيقات رسمية تسلمت على إثرها مشتبهين من الحركة. هذا التطور شكّل منعطفًا حاسمًا في مقاربة الملف، وأدى إلى اتفاق لبناني–فلسطيني على بدء خطة تنفيذية لسحب السلاح من المخيمات، تبدأ في بيروت منتصف يونيو. وبين تعقيدات الواقع الميداني والحسابات السياسية، يبقى التحدي الأكبر في ضمان التنفيذ الفعلي وإنهاء ظاهرة “المربعات الأمنية” التي لطالما كانت مصدر قلق داخلي وذريعة دائمة للتدخلات الإسرائيلية .

إسرائيل: بين الرسائل والتلويح بالتصعيد

منذ وقف إطلاق النار الهش في عام 2024، لم تتوقف إسرائيل عن تنفيذ ضربات جوية على الأراضي اللبنانية، مستهدفة مناطق مختلفة من لبنان تحت ذريعة أماكن ومنشآت عسكرية لحزب الله ويترافق هذا التصعيد الميداني مع تصريحات متكررة من قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تُحذر من أن بقاء سلاح “حزب الله” والفصائل الفلسطينية خارج سلطة الدولة اللبنانية يُشكّل تهديدًا وجوديًا لأمن إسرائيل.

وفي الأيام الأخيرة، لوّحت تل أبيب بإمكانية العودة إلى الحرب الشاملة إذا لم تتخذ الدولة اللبنانية خطوات جدية لحصر السلاح بيدها، معتبرة أن “السكوت على التهديد لم يعد خيارًا”، وأن المعادلة الحالية “لا يمكن أن تستمر طويلاً دون تغيير جذري”

خيار الدولة: بين الضغوط والإمكانات

رغم وضوح الضغط الدولي لحصر السلاح بيد الدولة، تواجه السلطات اللبنانية تحديًا كبيرًا في تنفيذ هذا الخيار. فالرئيس جوزاف عون أعلن عن خطة لحصر السلاح خلال عام 2025، مع طرح استيعاب عناصر حزب الله ضمن الجيش، بينما يشترط الحزب وقف العدوان الإسرائيلي والشروع بإعادة الإعمار قبل أي نقاش جدي.

لكن على أرض الواقع، يُدرك الجميع أن تنفيذ نزع السلاح بالقوة أو دون توافق شامل يحمل مخاطر انفجار داخلي، قد يأخذ البلاد نحو مواجهة أهلية جديدة، في ظل انقسامات طائفية وسياسية حادة.

من هنا، تحاول الدولة أن توازن بين الضغوط الخارجية والمخاوف الداخلية، وسط غياب مظلة إقليمية موحدة تضمن انتقالًا آمنًا نحو استراتيجية دفاعية متفق عليها، تحفظ السيادة وتجنّب الانزلاق إلى الفوضى.

لحظة تستدعي التبصر

لبنان، أمام هذه اللحظة المفصلية، لا يحتاج فقط إلى قرارات، بل إلى نقاش وطني عاقل وشامل، يُعيد تعريف مفهوم السيادة، ويوازن بين ضرورات الدفاع وموجبات الدولة. هل يكون الحل في إدماج هذا السلاح ضمن استراتيجية دفاعية رسمية؟ أم أن الواقع يفرض نزعًا كاملاً للسلاح خارج المؤسسات؟ أم أن المرحلة لا تحتمل إلا تأجيلًا جديدًا وتفاديًا للمواجهة؟

الجواب ليس بسيطًا، لكن الوقت لا ينتظر. فبين من يرى في السلاح ضمانة، ومن يراه خطرًا وجوديًا، تظل الدولة مطالبة بتحديد موقف، قبل أن يُفرض عليها الواقع فرضًا… وربما بالقوة

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى