دوليات

“فرنسا تُرسخ نفوذها في شمال شرق سوريا وتركيا تترقب ساعة الصفر”

في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في شمال شرق سوريا، يبدو أن فرنسا بدأت تأكيد وجودها العسكري والسياسي في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول نواياها طويلة الأمد وتأثير ذلك على العلاقة المتوترة بين القوى الإقليمية، لا سيما تركيا.

تحركات فرنسية في مناطق قسد

تشير التقارير الأخيرة إلى أن باريس عززت من وجودها العسكري من خلال إرسال مستشارين عسكريين ومعدات تقنية إلى مناطق قسد. الخطوة الفرنسية تأتي كجزء من شراكتها المستمرة مع هذه القوات، التي تعد الحليف الأبرز للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاربة تنظيم “داعش”. وتشمل التحركات إنشاء قواعد لوجستية ومراكز تدريب لتعزيز قدرات قوات قسد، خاصة مع التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجه المنطقة.

باريس، التي لطالما دعمت قسد على الرغم من اعتراضات أنقرة، تُظهر من خلال هذه التحركات أنها مصممة على الحفاظ على نفوذها في المنطقة، لا سيما بعد الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية وتراجع الاهتمام الدولي بسوريا في أعقاب سقوط نظام الأسد.

تركيا: بين التحذير والانتظار

الوجود الفرنسي المتزايد في مناطق قسد يُعتبر استفزازاً مباشراً لأنقرة، التي ترى في قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا. ورغم تصاعد اللهجة التركية في الأشهر الأخيرة، يبدو أن المواجهة العسكرية المباشرة لا تزال مؤجلة لأسباب متعددة:

1. الأولويات التركية الداخلية: تواجه أنقرة ضغوطاً اقتصادية كبيرة إلى جانب تحديات سياسية داخلية. الدخول في حرب مفتوحة مع قسد قد يفاقم هذه الأزمات.

2. التوازنات الدولية: تحاول تركيا تجنب تصعيد يُغضب القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، خاصة مع العلاقات المتوترة أصلاً مع الغرب.

3. الاستفادة من التنافس الغربي: يبدو أن أنقرة تسعى لاستثمار التنافس الغربي على مناطق شمال شرق سوريا لتحقيق مكاسب تفاوضية بدلاً من المجازفة بمواجهة مباشرة.

ماذا تريد فرنسا؟

بالنسبة لفرنسا، يبدو أن أهدافها تتجاوز مجرد محاربة الإرهاب. يسعى الفرنسيون إلى الحفاظ على نفوذهم في منطقة تعد استراتيجية من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية. إذ تشكل مناطق شمال شرق سوريا مدخلاً مهماً للتأثير على مستقبل سوريا بعد الأسد، كما تمنح باريس منصة للضغط على تركيا وإعادة التوازن داخل حلف الناتو.

علاوة على ذلك، فإن تعزيز الوجود الفرنسي يعكس رغبة أوروبية في تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة في المنطقة، وتقديم أنفسهم كبديل أمني وشريك موثوق لحلفائهم المحليين.

سيناريوهات المستقبل

رغم تأجيل الحرب بين تركيا وقسد، فإن احتمالات التصعيد لا تزال قائمة، خاصة مع تعقيد المشهد الإقليمي والدولي. يمكن حصر السيناريوهات في:

1. تصعيد محدود: قد تلجأ تركيا إلى عمليات عسكرية محدودة تستهدف مواقع لقسد، مع الحرص على عدم استفزاز فرنسا بشكل مباشر.

2. مفاوضات تحت الطاولة: قد تُجري أنقرة محادثات غير معلنة مع فرنسا لتهدئة التوتر، مقابل ضمانات أمنية على حدودها.

3. تصعيد شامل: إذا فشلت الدبلوماسية، قد ينزلق الوضع إلى مواجهة واسعة النطاق، خاصة إذا شعرت تركيا بأن مصالحها الأمنية في خطر.

خاتمة

في ظل التحركات الفرنسية المتسارعة، يبدو أن شمال شرق سوريا قد أصبح مسرحاً جديداً لتنافس القوى الكبرى والإقليمية. وبينما تحاول باريس تعزيز دورها كفاعل دولي، تجد تركيا نفسها أمام معضلة معقدة بين مصالحها الأمنية وضغوط التحالفات الدولية. أما قسد، فتواجه تحدي الحفاظ على توازن صعب بين حلفائها الغربيين ومخاطر التصعيد مع أنقرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
Scan the code
مرحباً..
كيف يمكنني مساعدتك