الأخبارسياسةمحلياتمقالات

خصوم في الخطاب، حلفاء في النفوذ : تحالف الضرورة بوجه التغيير في بيروت !

بقلم : الصحفي حسين حرقوص

في مشهد سياسي لبناني لطالما اتسم بالاستقطاب الحاد والانقسام الطائفي والمناطقي، لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن تتلاقى قوى متناحرة تاريخيًا، كـ”حزب الله” و”القوات اللبنانية”، على لائحة واحدة في انتخابات بلدية بيروت. لكن هذا ما حدث، وبتوقيع جميع مكوّنات المنظومة السياسية تقريبًا، تحت شعار “بيروت بتجمعنا”، الذي بدا أقرب إلى شعار “المنظومة بتتكاتفنا”.

https://adoaa-alyaqza.com/انتخابات-بلدية-تحت-النار-من-طرابلس-إل/فما الذي جمع الأضداد؟ ولماذا تخلّت هذه القوى عن عدائها المعلن لصالح تحالف غير منطقي إلا من زاوية حماية النفوذ؟ هذه المقالة محاولة لفهم هذا التحالف، تفكيك أسبابه، وقراءة دلالاته في سياق الانهيار اللبناني الشامل.


تحالف الضرورة لا المبادئ: لماذا اجتمع الخصوم؟

التحالف الذي ضم “حزب الله”، “القوات اللبنانية”، “الكتائب”، “التيار الوطني الحر”، “حركة أمل”، “الطاشناق”، “الاشتراكي”، و”جمعية المشاريع” لم ينبثق من مشروع مشترك لإنقاذ بيروت أو من رؤية موحّدة لمعالجة الأزمات، بل من خوف جماعي من الفراغ وفقدان السيطرة.

مع غياب تيار المستقبل عن الساحة البيروتية، شعرت هذه القوى أن غياب مرجعية سنية وازنة قد يفتح الباب أمام اختراق المجتمع المدني أو المستقلين، وربما الأسوأ بالنسبة لهم : قلب موازين النفوذ داخل العاصمة .

تيار المستقبل" يدعو إلى إحياء ذكرى الشهيد رفيق الحريري بعيدا عن الاستفزازات  - تلفزيون المستقبل

بيروت: ساحة اختبار لـ”وحدة” المنظومة

لم تكن بيروت مجرّد معركة بلدية. هي العاصمة، الرمز، والمعقل الأخير الذي لا يحتمل خسارته. من هنا، قررت القوى المتصارعة أن ما لا تستطيع تحقيقه في المجلس النيابي، تستطيع فرضه في المجلس البلدي.

وتحت غطاء “المناصفة” و”حماية التوازن الطائفي”، جرى تسويق التحالف على أنه “إنقاذي”، بينما هو في الواقع إعادة تعليب للتحاصص وفرض أمر واقع جديد: لا مكان لقوة خارجة عن المنظومة، ولا مكان للمجتمع المدني.


من الخصومة إلى القسمة: ماذا تغيّر؟

“القوات” التي تتهم “حزب الله” باحتلال الدولة وسلاحه غير الشرعي، جلست إلى جانبه على لائحة واحدة. و”التيار الوطني الحر” الذي يهاجم “الكتائب” و”الاشتراكي” صباحًا، تَشارك معهم مساءً في تقسيم المقاعد.

القوات" - "ح ز ب الله": حرب باردة

هذا الانفصام السياسي يكشف أن كل الخطابات السابقة كانت للاستهلاك الإعلامي فقط، وأن المنظومة عندما تشعر بأن مواقعها مهددة، مستعدة لتناسي كل شعاراتها، بل وحتى دماء الحروب الأهلية.


الرسالة الخفية: لا تغيير في الأفق

الرسالة التي وجّهها هذا التحالف إلى اللبنانيين واضحة : نحن خصوم حين تقتضي الحاجة، لكننا حلفاء عندما يهددنا البديل. وبهذا، تم قتل أي أمل بإحداث خرق حقيقي في السلطة المحلية، أو السماح لقوى شبابية أو مستقلة بأن تدخل ساحة القرار.

بيروت التي كانت دائمًا نبض التغيير، باتت رهينة توافقات المنظومة. والمواطن، بدلاً من أن يختار بين مشاريع، أُجبر على التصويت لنسخ مختلفة من نظام واحد.


ماذا بعد؟ هل ينسحب هذا النموذج على سائر لبنان؟

نجاح هذا التحالف في بيروت قد يغري أطراف المنظومة بتكرار التجربة في مناطق أخرى. وربما نكون أمام مرحلة جديدة من “الوئام الظاهري” بين أطراف النزاع اللبناني، حيث يتم تجاوز كل العناوين السياسية لصالح صفقات موضعية تحافظ على مصالح الجميع.

لكن هذا التحالف، بقدر ما يبدو مستقرًا، يحمل بذور سقوطه: إذ أن التناقضات بين أطرافه عميقة، ولن يكون من السهل احتواؤها عند أول اختلاف على الحصص أو النفوذ.


شدّ العصب الطائفي: أداة قديمة لتثبيت النظام

حين شعرت مكونات المنظومة بخطر غياب تيار المستقبل عن انتخابات بيروت، لجأت إلى أكثر الأدوات فاعلية في النظام اللبناني: شدّ العصب الطائفي. فجأة، ارتفعت الأصوات المحذّرة من “خطر على المناصفة”، و”استهداف الطائفة”، و”الخلل في التوازن الإسلامي-المسيحي”.

لم يكن الهدف الدفاع عن الحقوق، بل خلق خوف جماعي يُبرر التحالف، ويمنع أي محاولة لمساءلة من انضموا إلى لائحة واحدة رغم أنهم خصوم في كل الملفات الكبرى. فجعلوا المواطن بين خيارين: إما أن تصوّت للطائفة، أو تتحمّل تبعات ضياعها.

وهكذا، بدل أن تكون الانتخابات فرصة لمساءلة الطبقة السياسية، تحوّلت إلى استفتاء طائفي مموّه، تبارى فيه أمراء الطوائف على تمثيل “مكوّناتهم”، وتنافسوا على من يحمي الحقوق أكثر، لا من يحلّ المشكلات الفعلية

تحالف “حزب الله” و”القوات اللبنانية” في بيروت لم يكن وليد لحظة مصالحة وطنية، ولا تتويجًا لوعي سياسي جديد، بل تحالف اضطرارٍ لحماية المنظومة من التغيير. هو مشهد يؤكد مرة أخرى أن النظام اللبناني، القائم على المحاصصة والتسويات المصلحية، لا يزال يرفض ولادة بدائل حقيقية.

وبينما تتقاتل هذه القوى على المواقف والإعلام، فإنها تتّحد في الخفاء لضمان بقائها، ولو على أنقاض العاصمة. أما التغيير الحقيقي …

فسيبقى مؤجلاً… حتى يقرر الشعب كسر هذه الدوّامة.

شاهد أيضاً :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
Scan the code
مرحباً..
كيف يمكنني مساعدتك