
بين الأسد والشرع .. الديمقراطية حسب الطلب : أين المناضلون ضد “الانتخابات غير النزيهة”؟
لسنوات، لم تهدأ أصوات المعارضة والدول التي تدعمها، بما فيها الدول الأوروبية التي تتغنى بالديمقراطية والحرية، وهي تتحدث عن “الانتخابات غير النزيهة” في سوريا، متهمة النظام السابق بأنه كان يجدد للرئيس السابق بشار الأسد من خلال صناديق اقتراع لا تعبر عن إرادة الشعب. وكنا لا نجادلها في اتهاماتها السابقة، بل وكنا نؤيد البعض منها، لأننا نؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تكون قائمة على إرادة الشعب واختياره الحر بعيدًا عن أي ضغوط أو تدخلات.
لكن اليوم، أمام مشهد تعيين “أحمد الشرع” لنفسه رئيسًا دون حتى مسرحية انتخابية شكلية، اختفت تلك الأصوات فجأة، وابتلع الجميع ألسنتهم. لا بيانات إدانة، لا تحليلات سياسية عن “الشرعية”، ولا محاضرات عن ضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. فهل هذا هو النموذج الديمقراطي الذي كانوا ينادون به؟ أم أن الديمقراطية لم تعد أولوية عندما يكون “المنتصر” من صفوفهم؟
الانتخابات؟ مضيعة للوقت!
ما الحاجة لصناديق الاقتراع عندما يكون هناك قائد يرى أنه الأجدر بالسلطة دون الحاجة لرأي الشعب؟ لماذا نزعج الناس بحملات انتخابية، ومراقبين دوليين، وإجراءات تصويتية، طالما أن هناك من يقرر مصير الدولة بجرة قلم؟ يبدو أن الديمقراطية ليست سوى أداة مرحلية، تُرفع كشعار عندما تكون المعارضة في موقف ضعف، وتُلقى جانبًا بمجرد وصولها إلى السلطة.
المعارضة الصامتة.. أين المصداقية؟
أين أولئك الذين كانوا يصرخون بأن “الانتخابات مزورة” وأن “الشعب السوري لا يختار قيادته بحرية”؟ لماذا لم نسمع منهم اليوم اعتراضًا على تنصيب رئيس دون أي استحقاق انتخابي؟ أين خبراء السياسة الذين كانوا يقدمون المحاضرات حول التداول السلمي للسلطة؟ هل نفهم من صمتهم أن الديمقراطية ليست مبدأ، بل مجرد أداة ضغط تُستخدم متى ما كانت تخدم مصالحهم، ويتم تجاهلها عندما تصبح غير ملائمة؟
حجة “الاستقرار” التي يكررها الجميع!
الآن، بدلاً من الحديث عن “إرادة الشعب”، أصبح الخطاب يدور حول “الاستقرار” و”عدم العودة إلى الفوضى”. لم تعد هناك مطالب بالانتخابات، ولا حديث عن الشفافية، بل فقط تبريرات للهيمنة على الحكم تحت شعارات براقة. كم هو غريب أن يصبح ما كان يُوصف بالأمس بأنه “قمع واستبداد”، مقبولًا اليوم تحت عنوان “ضرورة المرحلة”!
وأين الدول المعارضة لسوريا؟
أين العواصم التي كانت تصدر بيانات الإدانة مع كل استحقاق انتخابي في سوريا، معتبرة أن الشعب السوري محروم من حقه في اختيار قيادته؟ أين التصريحات التي كانت تتحدث عن “الشرعية” و”عدم الاعتراف بالنتائج”؟ هل لأن من وصل إلى السلطة هذه المرة هو حليف لهم، لم يعد هناك داعٍ لكل هذه الضجة؟ وأي “حليف” هذا، وهو حتى الآن لا يزال على لوائح الإرهاب في عدة دول، ومن بينها بعض العواصم التي تدعي أنها تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ يبدو أن “الإرهاب” عندهم هو الآخر مصطلح مرن، يتغير وفق المصالح السياسية، فحين يكون العدو، يوضع على قوائم الإرهاب، وحين يصبح مفيدًا، يُقدم له الغطاء الدولي!

وأين أوروبا، حاملة شعلة الديمقراطية؟
أما الدول الأوروبية التي لا تترك مناسبة إلا وتحدثت فيها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلماذا لم نسمع منها أي اعتراض على مشهد تعيين رئيس بالقوة دون انتخابات؟ لماذا لم تصدر أي بيانات تدين هذا “الاستيلاء على السلطة” كما تفعل مع دول أخرى؟ أم أن المعايير تتغير عندما يكون من في السلطة يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية؟ يبدو أن الحديث عن الديمقراطية مجرد خطابات فارغة، تُستخدم لتأديب الخصوم، بينما يُسمح للحلفاء بفعل ما يحلو لهم دون أي محاسبة.

أي انتصار دون معركة؟
يتحدث البعض عن “انتصار” سياسي تحقق بوصول الشرع إلى السلطة، ولكن أي انتصار هذا؟ وأين هي المعركة التي خاضها ليتحدث عن نصر؟ الانتصار الحقيقي هو ذلك الذي يُنتزع عبر إرادة الشعب وصناديق الاقتراع، لا ذاك الذي يُفرض بواقع القوة والتفاهمات السياسية خلف الكواليس. لم يكن هناك صراع انتخابي حقيقي، لم تكن هناك منافسة، ولم يكن هناك خيار أمام الشعب ليقول كلمته. فما معنى الانتصار إن لم يكن هناك طرف آخر هُزم أصلاً؟ أم أن الفكرة ببساطة هي أن الديمقراطية تُستخدم فقط عندما يكون ذلك في مصلحة البعض، وعندما يصبح الحكم مضمونًا، يُصبح “الاستقرار” أهم من الانتخابات؟
ثغرات في خطاب الشرع: تناقضات تكشف زيف الشرعية
1. لجان تحضيرية أم مماطلة مخططة؟
أعلن الشرع عن تشكيل لجان تحضيرية دون تحديد أي جدول زمني، مما يفتح الباب أمام المماطلة وكسب الوقت، وهي نفس الأساليب التي كانت تستخدمها الأنظمة التي انتقدها سابقًا.
2. تعليق الدستور.. لكن لصالح من؟
إلغاء الدستور دون استفتاء شعبي هو انقلاب على القانون، مما يجعل الحديث عن “الشرعية” فارغًا من أي مضمون قانوني حقيقي.
3. أي دستور جديد؟ متى وكيف؟
الحديث عن “إعلان دستوري” دون تحديد آلية وضعه أو عرضه على الشعب يكشف نية التفرد بالسلطة تحت غطاء “المرحلة الانتقالية”.
4. “إعادة بناء الجيش الوطني”.. أم إعادة تدوير الميليشيات؟
أعلن الشرع أنه سيعيد بناء الجيش السوري على أسس وطنية، ولكن هل سيكون هذا الجيش مكونًا من السوريين فقط؟
المفارقة أن العديد من الفصائل التي دعمت الشرع تضم مقاتلين أجانب، فكيف يكون الجيش وطنيًا إذا كان قادته ومقاتلوه ليسوا حتى سوريين؟
• الإيغور الصينيون من الحزب الإسلامي التركستاني.
• الكتيبة الألبانية التي تضم مقاتلين من ألبانيا وكوسوفو.
• المقاتلون الشيشان والأوزبك في الفصائل المتشددة.
ووفقًا لوكالة رويترز، فقد تم بالفعل تعيين مقاتلين أجانب في الجيش السوري الجديد، ومنحهم رتبًا عسكرية رسمية، ومن بينهم عبد العزيز داوود خُدابيردي، قائد الحزب الإسلامي التركستاني، الذي أصبح عميدًا في الجيش الجديد.
فهل سيكون هؤلاء ضمن الجيش “الوطني” الجديد؟ هل سيتم منحهم الجنسية السورية؟ أم سيبقون مقنعين، مجهولي الهوية، يقاتلون بلا انتماء واضح، ولكنهم “وطنيون” بقرار من الشرع؟

الخاتمة: أكبر خدعة في التاريخ الحديث
إذا كان هذا الخطاب يكشف عن شيء، فهو أن الشرع لم يأتِ ليقود مرحلة انتقالية، بل ليؤسس لنظام حكم عسكري مغلف بشعارات ديمقراطية فارغة. في النهاية، عندما يُفرض رئيس بالقوة دون انتخابات، ويُلغى الدستور بجرة قلم، وتُمنح كل السلطات لشخص واحد، فهذا ليس “نصرًا للثورة”، بل انتكاسة جديدة لسوريا.
تنويه
هذه المقالة تعبر عن آراء وتحليلات مستوحاة من وجهات نظر العديد من أفراد الشعب السوري والمراقبين السياسيين للأوضاع الراهنة. الهدف منها هو تسليط الضوء على التناقضات والمواقف المختلفة المرتبطة بالمشهد السياسي الحالي. لا تدعي المقالة تقديم حقائق مطلقة، بل تهدف إلى فتح باب النقاش وتسليط الضوء على الجوانب التي تستحق التفكير والنقاش.
بين الأسد والشرع .. الديمقراطية حسب الطلب : أين المناضلون ضد “الانتخابات غير النزيهة”؟