الأخبارسياسةمحلياتمقالات

انتخابات بلدية تحت النار .. من طرابلس إلى الجنوب: لماذا يُمزّق اللبنانيون صور مرشحيهم ؟

بقلم : الصحفي حسين حرقوص

مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية المقررة في أيار 2025، يعيش لبنان على صفيح انتخابي ساخن. مشاهد تمزيق صور المرشحين التي اجتاحت طرابلس والميناء وفرن الشباك وصولاً إلى الجنوب، لم تعد مجرد حوادث فردية عابرة، بل باتت تعبيرًا صارخًا عن حالة الغضب الشعبي المكبوت تجاه طبقة سياسية فقدت ثقة الناس.

من الشمال إلى الجنوب، تتراكم التساؤلات: هل ما يحدث رسالة احتجاج على فساد مزمن؟ أم إنه مقدمة لفوضى انتخابية تهدد نزاهة الاستحقاق؟

وسط مشهد معقد بين تطلعات بالتغيير ومخاوف من تكرار خيبات الماضي، يقف اللبنانيون أمام استحقاق بلدي مصيري، قد يحمل فرصة جديدة… أو نكسة إضافية في سجل الأزمات.


تصاعد التوتر في مختلف المناطق

لم تقتصر حوادث الاعتداء على صور المرشحين على مدينة طرابلس وحدها، وإن كانت الأكثر وضوحًا، بل امتدت إلى مناطق أخرى مثل فرن الشباك والميناء وجونية وصيدا. تمزيق الصور والشعارات الانتخابية يعكس حالة من الغضب الشعبي تجاه الطبقة السياسية التقليدية، ويؤكد أن الشارع لم يعد يقيم وزناً لحملات ترويجية أو لافتات انتخابية بقدر ما يطالب ببرامج فعلية وسيرة نظيفة للمرشحين.

ففي طرابلس، عاصمة الشمال، بدت شوارع المدينة أشبه بساحة مفتوحة للمواجهات الرمزية، حيث تهاوت صور عدة مرشحين أمام نقمة بعض الناشطين والأهالي. المشهد تكرر في فرن الشباك، حيث سُجل اعتداء موثق على صور مرشح مختار وسط اتهامات متبادلة بين العائلات السياسية التقليدية.


تمزيق صور مرشحين في طرابلس – تعبير شعبي عن الغضب تجاه الطبقة السياسية التقليدية.

تحديات أمنية وتنظيمية

التحديات الأمنية باتت محور قلق حقيقي. بعض المناطق، خصوصاً جنوب لبنان، تشهد تصعيدًا نتيجة الغارات الإسرائيلية المستمرة، ما يجعل تنظيم الانتخابات هناك مهمة صعبة تتطلب ترتيبات استثنائية. إضافة إلى ذلك، تعاني البلديات اللبنانية من أزمة مالية خانقة، مما يهدد قدرتها على إنجاز التحضيرات اللوجستية الضرورية.

حتى الساعة، لم يتم تشكيل اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات، ما يطرح تساؤلات جدية عن جاهزية الدولة اللبنانية لإجراء هذا الاستحقاق في موعده، وسط الحديث المتزايد عن احتمالية تأجيل رابع في حال تفاقمت الأوضاع الأمنية أو تعثرت التحضيرات الإدارية.


بين الآمال الشعبية وخيبة الواقع

الشعب اللبناني، الذي خبر ويلات الفساد وسوء الإدارة، ينظر إلى الانتخابات البلدية كفرصة نادرة لإحداث تغيير حقيقي على المستوى المحلي. فبعد سنوات من الجمود والانهيار الاقتصادي، تزايدت الآمال بأن تفرز هذه الانتخابات وجوهًا جديدة أكثر صدقًا وكفاءة، بعيدًا عن المحسوبيات الطائفية والعائلية التي خنقت العمل البلدي لعقود.

إلا أن الأحداث الجارية، من تمزيق الصور إلى النزاعات العائلية والسياسية، تثير المخاوف من أن تتحول الانتخابات إلى مناسبة جديدة لتجديد نفس الطبقة التقليدية بوجوه مختلفة، من دون أي إصلاح حقيقي في الأداء أو السياسات.


اللبنانيون يطالبون بانتخابات بلدية تغيّر الواقع المعيشي والخدماتي.

إصلاحات مطلوبة بشدة

وسط هذه الصورة القاتمة، برزت دعوات من جهات سياسية ومدنية عديدة لتحديث النظام الانتخابي البلدي عبر:

  • اعتماد النظام النسبي بدلاً من الأكثري لتعزيز التمثيل العادل.
  • تخصيص كوتا نسائية لضمان مشاركة أوسع للمرأة.
  • إنشاء مراكز اقتراع كبرى (ميغاسنترز) تسهل التصويت وتخفف من الضغوط المناطقية والطائفية.

ورغم أهمية هذه الطروحات، إلا أن تطبيقها لا يزال يصطدم بحسابات سياسية ضيقة ورغبة معظم القوى التقليدية في الحفاظ على معادلاتها القديمة.

دعوات لاعتماد النسبية والكوتا النسائية كخطوات إصلاحية ضرورية.

الانتخابات البلدية اللبنانية لعام 2025 تختزن بين طياتها فرصًا حقيقية وتحديات كبرى. فإما أن تكون مدخلًا نحو التغيير والإصلاح المحلي الذي يطمح إليه اللبنانيون، أو تتحول إلى مشهد إضافي يعمق الإحباط ويكرس أزمات الحكم والإدارة.

القرار النهائي سيتوقف على حجم وعي الناخبين، ومدى استعداد القوى التغييرية لخوض المعركة بجدية، وقدرة الدولة على ضمان إجراء انتخابات شفافة وآمنة بعيدًا عن الفوضى والتدخلات.

لبنان اليوم أمام امتحان ديمقراطي حقيقي… فهل ينجح ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
Scan the code
مرحباً..
كيف يمكنني مساعدتك